فلسفة الجنس والجنسانيه
اخترت هذا الموضوع لاهميته ولحساسيته فالجنس ذلك الحاضر الغائب قد احيط بكثير من الحاذير حتى اعتبر من التابوهات التي لا يجوز الحديث عنها مما جعل بضاعة الغرب عن الحنس تروج بين الشباب لما تتميز به من جراه واحيانا الموضوعيه ولم يكن الحال هكذا في عهود ازدهار الاسلام فقد كان الحديث عن الجنس والسؤال عنه متاحا مباحا حتى صدرت الكتب التي تتناوله من عدة نواحي بل ان اللغه القرانيه التي تناولت موضوعة الحنس كانت واضحه جليه مما حدا بالفقهاء ان يكوتنوا مثل القران في لغتهم المتناوله للجنس او النكاح والان لنرى الموضوع المنقول ماذا قال عن الجنس .
فلسفة الجنس والجنسانية في الدين الإسلامي
إنني أود في هذا المقال التكلم عن الجنسانية (علي إعتبارها مصدر الإلهام، لما تجود به الروح من إشراق وما ينفح عنه الجسد من تألق)، وليس الجنس بمعناه الميكانيكي الذي تعارف عليه الناس.
هذا الموضوع وإن يبدو ليبرالياً إلا إنه قديم قدم الإنسانية، فمنذ معرفة الرجل للمرأة وهو يتلمس مايفضي به إلي دائرة المعني ومحط الخيال.
ولقد كان حظ الأنثي أوفر إذ أدركت منذ اللحظة الأولي أن الجسد ما هو إلا أداة الإنطلاق، وأن اللذة (القصوي) هي أسمي لحظات الإمتاع الروحي لأن بها ينتقل الإنسان من الوجود الي العدم، ومن المحدود الي دائرة (اللا-محدود)، ومن سجن الحس الي منتهي التخلص من القيود. إنها اللحظة الأسمي. ولقد عبر السادة المتصوفة عن هذا الإنفراج بقولهم (إن لذة النظر الي وجه الله تعدل لذة الجماع سبعين ألف مرة)!! لماذا الجماع بالذات؟!!!! لأنه الأرق الذي يعقبه سمق، والوجع الذي يجدي الي نفع..
لقد طرقت هذه المواضيع علي إستحياء في حضرة مولانا الشيخ الفاتح الشيخ عبد الرحيم البرعي (من كبار المشايخ للطريقة السمانية القادرية بالسودان، والذي يتمتع بإحترام وتقدير الكثير من المتصوفة في وادي النيل ودول المغرب العربي الكبير وانحاء واسعة من العراق واليمن) فوجدته باهراً في هذا الصدد وماهراً في الإمساك بمعاول فكرية وروحية -منها ما اكتسبه بجهده، ومنها ماورثه عن السادة الأكابر-، فاتفقنا علي عقد ندوة أمثل فيها -أنا- الجانب الحداثوي ويمثل هو فيها الجانب التقليدي (وما ذلك إلا لحب قرائنا للمفاصلة والتمايز النوعي، وإلا فليست هناك إلا ثمة تداخل إقتضته حقيقة الإنتقال الصناعي والوقائي التي تمر به مجتمعاتنا)...
فبعد أن كشفت الإباحية الإعلامية (ميثولوجية) الجسد وهزئت بقدستيه، لزم علينا التحدث عن فلسفة أخلاقية تعيد الى الأمر توازنه بين ما هو حسي وما هو معنوي. إن المجتمعات قديما أحاطت الجسد بهالة من المعنى جعلت منه شبه المحرم، مما أدي إلي ردود أفعال عند المجتمعات الحديثة حرمت الجسد من رفرفة الروح في الحالتين: تعامل الانسان مع الجنس باستخفاف وحرمانه من الإستمتاع بأعظم هبة إنسانية (حفظ النوع) بعد التوحيد. وكيف لا والقرآن لا يفتأ يذكر الجنس إلا ويظله بمظلة التوحيد لأن النوع لا يحفظ لذاته، إنما لصفاته ((فلما تفشاها حملت حملاً خفيفاً فمرت به فلما اتقلت دعوا الله ربهما لان اتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين)) "الاعراف"...
إن الإنسان -تلكم الذرة المنفطرة على شقين- لا تحسن التسامي إلي الذات العليا حتي تتسق ووحدات الكون الأخريات ((ومن كل شئ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون))..لعل النبي أراد تنبيهنا إلي هذا المعني بقوله: "حبب إلي من دنياكم ثلاث: الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة". إذ أن الصلاة معراج الروح، فقد كانت المرأة قرينتها في الإمتاع.....
إن كافة العلائق بين الكائنات علائق مؤانسة لكنها عند الإنسان وشائج إنتكاس! لقد إستبد الإنسان بالحس (يلاحظ ذلك في فرط إهتمامه منذ القدم بمظهر المرأة) ليحصل على قيمة معنوية ((دنيا)) هي الهيمنة. مثلاً: لقد إفترض الفرس النقاب ليرقبوا تصرفات المرأة في الفضاء العمومي ومن ثم يتحكموا في المجتمع بأسره. ومن العجيب أن تسربت هذه الفلسفة الأخلاقية الشائبة دونما وعي للمجتمعات الإسلامية (الأمر الذي سأكتب عنه لاحقاً). لقد أعجبتني مقولة للشيخ/ سفر الحوالي يقول فيها: "الإسلام لم يشرع مجتمعين: مجتمع للرجال وآخر للنساء، إنما شرع مجتمع واحد تحكمه ضوابط أخلاقية.".. هذه الضوابط تلاعب بها طواغيت هذا العصر بدرجة جعلت التحكم في المرأة وسيلة من وسائل الإبقاء على الهرم العرقي والإجتماعي الذي يضع طبقة النبلاء في اعلى الهرم، يليهم أصحاب الأموال الذين إستحدثوا لهم مؤخراً لقب (شيخ)، يليهم رجالات الدين/ الخيل المسومة/ العبيد، ومن بعدهم النساء!!! ومن هنا نجد حساسية الجنس عند العرب وغيرهم (لا تنبع من غيرتهم) إنما إرتباط الجنس بالسلطة وكونها مهدد لهذا الهرم الذي بات متصدعاً تعلوه الصراصير وتسنده القراقير!!
إن السيدات الواعيات سعين دوماً لتغيير هذا الواقع بأدوات علمية وموضوعية، أما المهرجات فقد تمردن بطريقة أبقت على الهرم كما هو لكنها أرغمت نازليه ومعتلي قمته على التمرغ في الكاعب وتحسس الكواعب..
إنها معادلة غريبة. لقد اذلوا الرجل لكي يبقوا على كبريائه الزائف عبر القرون، المتوتر توتر السجون!! لقد إنهزمت هي الأخرى، إذ ركنت الى الزينة (الحسية) التي تختلف من شعب الى اخر، ومن ثقافة الي ثقافة لكنها لا تتجاوز المشهيات من ريح، بخور، حنة، دخان، ثوب، ذهب، إلخ...... إن بعض النسوة خاصة اللأتي إستثمرن أموالهن ووقتهن في تغذية عقولهن يستطعن بمهارة أن يدغدن مشاعر الرجل دونما لمس، وهذا الذي يبلغه النشوة (نشوة تجاوز المحسوس)، والعكس هو الصحيح.
حتى لا يكون الحديث بإطلاق، يجب أن نراعي التناسب والتفاوت في الملكات بين الجنسين. "فكم من إمرأة نبيهة في صحبة رجل تنبل، وكم من رجل نبيل في صحبة خرتيت محجل".. لكننا في هذا المقال لا نسعى لحل مشاكل الجنسانية بقدر ما نسعى لتبين علاتها..
إن البشرية ومنذ اليوم الأول أحست بذكاء جسد المرأة وصلابة عود الرجل، فاحاطت كليهما بهالة من المعنى أكده التنزيل من بعد (يابني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سؤاتكم وريثا، ولباس التقوي ذلك خير). "الأعراف".
إن العين الفاحصة تستيطع أن تخرق كل هذه الحجب غير آبهة بأهمية الإستثمار في المعنى، إنما تتلهف لتبديد مواجع الجسد (وهذه هي مشكلة الشرقيين مع الجنس). إنهم بذلوا جهدهم في توتيد الحواجز، كأنما هي المانع فأصبحت هي المحفز غير الصحي وغير المجدي لأنها لا تحرض المرء على الإستثمار في المعنى، إنما الوصول الي الجسد فحسب!! إنظر إلى أولئك الرجال العجزة الذين مرت بهم إمراة منقبة (Ninja) فإنتبه أحدهم إلي حجلها مما أفضى بهم إلى تخيل بقية الأقيسة!!
إن الغربيين لديهم هامش حرية يستثمرنه (ولو قليلاً) في أنسنة علاقاتهم الجنسية، لكنها ايضاً تتحول في غياب الموجه الرباني إلي درك من البهيمية يصعب معها ترشيد حركة المجتمع وتعزيز قيم الفرد.
إنني أقول أن التضييق ما عاد مجدياً في مجتمعاتنا لأنه
أفضى إلي إباحية مقنعة (هي سبب الإنفصام الذي نعيشه). بل
أقول إن الجنس هو السبب الرئيس في عقدنا الإجتماعية، إذا لم أقل أزمتنا السياسية. فالوزير الذي يبلغ زوجته بأنه ذاهب الى مأمورية ويعرج إلى وكر يداعب فيه فتيات في سن إبنته، لا ينفك عن هذه الإزدواجية حال التعامل مع المصلحة العامة. هو يكذب دونما كلل أو ملل لتبرير مشروعه السياسي (إن كان لديه واحد)!! ولذا فقد أصبح لزاماً علينا تطوير فلسفة أخلاقية روحية تعالج مثل هذه القضايا حتى يعود إلى المجتمع توازنه.
إنني أركز على كلمة فلسفة لأن الموعظة بمفردها ماعادت تجدي مع أفراد تعلمنوا
إلي درجة ما عادوا يتقبلوا اليقينيات بعدها دونما إستناد إلى حجج موضوعية وبراهين واقعية. إن الأقنعة التي نلبسها -حكام ومحكومين، علماء ومثقفين- يجب أن تخلع حتى يسهل علينا الإلتفات إلي ذواتنا وإلا فلن نستطيع التناغم مع الذات العليا.. فإلي متى هذا التيه؟ يقول النبي : "من عرف نفسه عرف ربه". إن سعينا الدؤوب للتدثر وتغطية العيوب حرمنا من التعرف على أنفسنا التي هي أغلى ما عندنا!! وهذا كله له صلة بالإختلال الذي حصل بين متطلبات الجسد وتشوق الروح....
لقد لزم علينل الإعتناء بالجسد الذي هو سفينة الإنطلاق. وقد كانت الهالة التي أحيط بها منذ القدم هي العناية التي أدخل في كنفها. لقد أدرج في هذه المساحة المعنوية الحب، العفة، الحياء ((تقول السيدة عائشة في صحبتها للنبي : "والله مارأيت منه ولا رأي مني"))، التمنع، الوجد، الأرق، الوجل وضخم كل هذا المتخيل الذي كانت اللغة أعظم هباته. (اللغة تلكم الأداة التي ما إن يكتب لها الإزدهار حتى تكون سفيراً للطهر، وما إن تطوع لدواعي النظام العام حتى تمسي مدعاة للعهر)!!
إن الذين يسعون لإصدار فتاوي دينية بشأن الغناء، أحياناً يقولون إنه كلم، والكلم فيه ماهو خبيث وما هو طيب. (أما أنا شخصيا فأقول إن الذي يقع في دائرة الخبيث جزافاً يجب أن ينظر ايضاً
إليه في إطاره الثقافي والإجتماعي العام.) إن من الشعراء القدامى مثلاً يتكلمون بكلام هو غاية في الإباحية لكنه لا يخلو من رسالة أخلاقية. فإن أغنية اليوم لا تفسح مجالاً للتخيل لأنها مصحوبة بالفيديو-كليب الذي يجسد فوتوغرافية المحبوبة التي قد لا يستغرق حبها فترة قضاء الوطر (التي تزيد أوتنقص بقدرتها الضعيفة علي التمنع). إن طول المسافة القطرية والتي يصطنعها المعنى للإحاطة بالجسد ليست القصد منها الحرمان، إنما إستنفادا للطاقة الجنسية تدريجيا حال الوصول الي الجسد. إن إنعدام هذه المسافة والذي يسبب فيه (التسيب عند الغربيين) و (الخناق عند الشرقيين) كان من اثرة الحرمان من المتعة الحقيقية ومن ثم الإسراف، ذلك أن المرء يطمح إلى ما هو حسي دون أن يأخذ حظه مما هو معنوي. إن المسرفين يبحثون عن المتعة في الجسد فلا يجدونها لأن جلها قد إدخر في دائرة المعنى، ومن هنا نفهم العاهات اللوطية والسحاقية (Homo-Sexuality) والإنحرافات الأخلاقية مثل إتيان المرأة في دبرها والتحسس الشفهي للأعضاء التناسلية (Oral-Sexuality). إن النبي بشر الزانين بفقر (أظنه معنوي) لانهم يبحثون عن شئ لا يجدونه، وإلا فكيف تفسر تنعم كثير من هؤلاء بوفرة الغناء المادي؟!؟ كذلكم نسمع توجيه للمتزوجين في صياغ (عفوا تعف نساؤكم)، فيفهمه البعض على أنه أمر قدري (أي إن كل من زني فسيبتلى بإمرأة زانية) وليست شرعية. إن هذا الحديث يقصد منه أن توظيف الطاقة أو تبديدها يلحظ على الروح قبل الجسد، مما ينعكس سلباً أو إيجاباً في علاقتك بالآخر -الزوجة/الصاحبة- الذي يلحظ النتوء أو الوخز في محيط المعنى)!!
إن الروح تتحمل هنات الجسد لكنها سرعان ماتفيق فتستعيد ما إكتسبته منذ الازل: البرائة. إنني أتعجب إذ تناول الحظ الأولين على انتقائهم لقضايا نتستر عليها نحن اليوم بالرغم عما يجوب الستر من مخاطر!! إنني ما جلست في مقهى للانترنيت في الإمارات، مصر، أو السودان إلا ولاحظت تلصص بعض المراهقين لمحطات الجنس الفاضح.
إسمحوا لي أن أتسائل أيهم أولى: تناول علماء الإجتماع لقضايا الجنس من منظور أخلاقي وروحي، الأمر الذي طالب به المفكر اليهودي الامريكي Etzionni الشهير؟ أم تركهم يتخبطون في متاهات الرذيلة وغياهب المبهم؟؟!
إن النبي -الذي هو معلم الأخلاق الرئيس لدى المسلمين- تناول قضايا الجنسانية (وليست الجنس المتعارف عليه اليوم) في منتهى الأريحية، فهو تارة يحث شاب أباح بحبه لإمرأة أن يتزوجها، وأعلمه بأن: "ليس للمتحابين إلا النكاح".(نلاحظ أن الفرق بين السفاح والنكاح هو شهادة الله ورسوله، وإلا فما الفرق؟). هذه كما لها مدلول سوشيولوجي إجتماعي (Etological). الأول يجعل الشهادة لها مدلول غاييي "الإنسان يرقب الذات العليا"، والثاني يجعل الإنسان يرعى حرمة المجتمع. هذان العاملان الهدف منهما تنمية الفردية وشحذها وليست وئدها ((كما يحدث في المجتمعات المتخلفة التي تدثرت بالدين عناية بجهلها وليس مراعاة لحرمة الدين))، يقابلها من الجانب الآخر المجتمعات الغربية ((التي تسيبت بسبب التطور الإجتماعي السياسي -أعني بالتحديد أن الإقتصاد الليبرالي أورث الفرد فردانية، تعذر معها الابقاء على ضوابط إجتماعية تمنع الذات من نزعاتها والنفس من هفواتها "Essentialist")).. وفي مثل هذه الأمور وغيرها فإني أتحاشي إتباع أي منطق يفسر العلل الأخلاقية أو الإجتماعية على أساس
إثني أو عرقي. ولذا فإنني أرى ضرورة تضافر العوامل الثقافية والإقتصادية في تفسير الظواهر الإجتماعية، فمثلاً: إن التعدد في المجتمعات البدائية كان ضرورة إقتصادية (للحوجة إلي العدد لتوفير المنعة والأيدي العاملة)، أما اليوم فهو ضرورة فسيولوجية أكثر منها كسبية.. إن الرجل يستقبل متاع معنوي من مختلف النسوة يتمشى وتركيبته النفسية -التي هي فراشية- أو رجل واحد هو الأمثل -((Donut like)) ورديه-، أما المرأة فتستقبل بفطرتها الحلزونية لإحتلال فضائها المعنوي..
وفي الختام فإني أقول بأن الضوابط الشرعية التي شرعها الشارع من مثل: "باعدوا بين أنفاس الرجال وأنفاس النساء"، لم يكن القصد منها خلق مجتمعين، إنما مجتمع واحد بضوابط أخلاقية وروحية تسود اليوم في مجتمعاتنا البدوية أكثر منها في الحضرية..
إن الشرع تعامل بواقعية مع كيمياء الجسد ((Body Chemistery))، فاستودعها محلول روحي حفظ لكليهما التوازن..
فهلا فهمنا هذه الحكمة؟!!
إنني أدعو لإدارج الجنس كثقافة إنسانية ورسالة أخلاقية في المناهج الدراسية قبل أن تكون مادة بيولوجية أو تلطف حسي. وإذا أخفقنا أو تلكأنا فلا نرتقب غير المزيد من الفوضى الجنسية، ومن ثم الربكة الإجتماعية الماثلة أمام أعيننا اليوم.. ولا شنو؟!؟!؟
ودمتم .......
منفول